عادت الخطوط الملكية المغربية إلى واجهة المشهد السياحي في أمريكا اللاتينية بقوة، من خلال مشاركتها اللافتة في معرض السياحة الدولي WTM Latin America في ساو باولو، بعد غياب دام ست سنوات. لكن هذه العودة لم تكن رمزية فقط، بل جاءت مدعومة بإستراتيجية واضحة تسعى من خلالها الناقلة الوطنية إلى تعزيز حضور المغرب في واحدة من أهم الأسواق الواعدة في العالم.
وجاءت مشاركة الخطوط الملكية المغربية في الحدث بعد أربعة أشهر فقط من استئناف خطها الجوي المباشر بين الدار البيضاء وساو باولو، الذي توقّف منذ جائحة كورونا. ومنذ إعادة تشغيله، تجاوز الخط التوقعات بتحقيقه معدل امتلاء فاق 80%، وسط إقبال متزايد يعكس الإمكانيات الكبيرة للسوق البرازيلية واللاتينية بشكل عام.
ويمنح هذا الخط الجوي الجديد للمسافرين من البرازيل وأمريكا اللاتينية فرصة ربط مباشر بشبكة واسعة من الوجهات التي تغطي إفريقيا الغربية وأوروبا والشرق الأوسط، وهو ما يجذب اهتمام شركات السفر والسياحة الباحثة عن بدائل فعالة ومستقرة للربط الجوي القاري.
وقد تزامنت مشاركة الخطوط الملكية المغربية في المعرض مع ذروة الحراك المهني السياحي، إذ استقطب الحدث نحو 30 ألف مهني من مختلف أنحاء العالم تحت شعار “الابتكار والتواصل الإنساني”، في وقت تسعى فيه البرازيل إلى استعادة مكانتها على خارطة السياحة العالمية. أما الجناح المغربي، فكان أشبه بتجربة حسية متكاملة، زاخرة بألوان الأحمر التقليدي وروائح النعناع والبخور، مع لمسات فنية وذوقية تعكس الثقافة المغربية الأصيلة.
ولم تكن الخطوط الملكية المغربية وحدها في هذه المبادرة، بل جاءت بدعم من المكتب الوطني المغربي للسياحة وعدد من الوكالات الشريكة، في مسعى جماعي لترويج المملكة كوجهة مفضلة لدى المسافرين من البرازيل وأمريكا الجنوبية. كما تجري مشاورات متقدمة لعقد اتفاقية شراكة مع Embratur، الوكالة الفيدرالية البرازيلية للسياحة، مما قد يفتح آفاق تعاون أوسع في مجالات الترويج المشترك والربط الجوي.
الأرقام تعزز هذه الديناميكية الجديدة، فقد زار المغرب خلال سنة 2024 أكثر من 40 ألف سائح برازيلي، بزيادة بلغت 7% مقارنة بالسنة التي سبقتها. كما شهد الربع الأول من عام 2025 توافد أكثر من 12 ألف زائر برازيلي، في حين قفز عدد ليالي المبيت في الفنادق بنسبة 136% خلال شهر يناير وحده، مدفوعاً بجاذبية العرض السياحي المغربي وحملة ترويجية متقنة.
والخطوة التالية في التوسّع تبدو وشيكة: الخطوط الملكية المغربية تدرس زيادة عدد رحلاتها الأسبوعية إلى ساو باولو من ثلاث إلى ست رحلات، كما تُخطط لإطلاق خط جديد نحو ريو دي جانيرو. وفي موازاة ذلك، تُعزز الشركة جودة خدماتها من خلال إدخال طائرات بوينغ 787-900 دريملاينر المجهزة بدرجة رجال أعمال فاخرة قادرة على منافسة كبريات شركات الطيران العالمية.
ومع أن أجواء الجناح المغربي في المعرض تحتفي بالضيافة والثقافة، إلا أن الرسالة الأعمق واضحة: المغرب لا يستخدم الطيران فقط لنقل المسافرين، بل كأداة دبلوماسية ناعمة لبناء الجسور وتعزيز حضوره العالمي. فمن خلال الخطوط الملكية المغربية، يوجه المغرب رسالة استراتيجية إلى أمريكا اللاتينية مفادها أنه لا يكتفي بالتحليق… بل يعتزم الريادة.