بعد أسابيع من الأمطار الغزيرة، بلغ سد واد المخازن أقصى طاقته الاستيعابية، في خطوة تُعد تحولًا كبيرًا في مسار أزمة المياه التي تعاني منها جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، وشمال المغرب بشكل عام. هذا الامتلاء الكامل لا يمثل مجرد رقم، بل هو بارقة أمل حقيقية لسكان المنطقة الذين واجهوا في السنوات الأخيرة تقلّبات مناخية ونقصًا حادًا في الموارد المائية.
وقد أسهمت التساقطات الأخيرة بشكل مباشر في رفع منسوب المياه في سد واد المخازن، الذي يُعد أكبر خزان مائي في الجهة، ليصل إلى سعته القصوى البالغة حوالي 673 مليون متر مكعب. وبفضل هذه الزيادة الكبيرة، ارتفع عدد السدود الممتلئة بالكامل في حوض اللوكوس إلى أربعة، إذ انضمت سدود الشريف الإدريسي، شفشاون، ونخلة إلى واد المخازن في بلوغ نسبة ملء 100%.
هذا التطور المفاجئ يُحدث فرقًا حقيقيًا على أرض الواقع، خاصة وأن سد واد المخازن يُعتبر ركيزة أساسية في تلبية احتياجات الشرب، والري، والحفاظ على التوازن البيئي، وهي ثلاثة محاور رئيسية في استراتيجية المغرب لضمان الأمن المائي. وأرجعت وكالة المياه الوطنية هذا التحسن الملحوظ إلى الأمطار الغزيرة والمتوازنة التي عرفتها المنطقة مؤخرًا.
كل واحد من هذه السدود الممتلئة يحمل بدوره أهمية استراتيجية خاصة. فسد الشريف الإدريسي يخزن أكثر من 121 مليون متر مكعب، في حين يحتفظ سد شفشاون بأكثر من 12 مليون، ويضيف سد نخلة نحو 4.2 ملايين متر مكعب أخرى. هذه الكميات تُعد بمثابة شبكة أمان مهمة في ظل استمرار المغرب في التكيف مع تداعيات التغير المناخي والتقلبات الجوية.
وبشكل عام، أصبحت السدود التابعة لحوض اللوكوس تحتفظ بما يزيد عن 1.17 مليار متر مكعب من المياه، أي بمعدل ملء عام يبلغ حوالي 61%. إلا أن هذا الرقم يخفي تفاوتات كبيرة بين السدود، ما يعكس هشاشة الوضع رغم التحسن الظاهر.
فعدد من السدود الأخرى سجلت نسب ملء جيدة نسبيًا، مثل سد سمير الذي اقترب من 78%، وسد طنجة-المتوسط بأكثر من 69%، وسد الخروب بحوالي 55%، وسد مولاي الحسن بن المهدي الذي تجاوز 51%. هذه الأرقام تؤكد الاتجاه الإيجابي الذي سجلته المنطقة في الأسابيع الأخيرة وتمنح قدرًا من الاستقرار المؤقت.
غير أن التحديات لا تزال قائمة، إذ ما تزال بعض السدود الاستراتيجية في وضع مقلق. فسد دار الخروفة، وهو من أكبر السدود في المنطقة، لا يزال عالقًا عند نسبة 23% فقط، فيما لم يتجاوز سد 9 أبريل نسبة 23.1%. أما سدود أخرى مثل ابن بطوطة، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي، وجمعة، فما زالت دون عتبة 50%، رغم التساقطات الأخيرة.
ورغم الأرقام المحسّنة، فإن الجهات المختصة دعت إلى عدم الانسياق وراء مشاعر التفاؤل الزائد. فالتحذيرات قائمة من مغبة اعتبار هذا التحسن ظرفيًا كحل دائم. وأكدت أن التغير المناخي لا يزال يشكل تهديدًا حقيقيًا، ما يتطلب خططًا استراتيجية مستدامة وترشيدًا مستمرًا في استخدام الموارد المائية.
في الوقت الراهن، توفر هذه الاحتياطيات المائية الممتلئة متنفسًا حقيقيًا لتأمين الاحتياجات العاجلة، من مياه الشرب إلى الاستخدامات الفلاحية والبيئية. لكن هذا الانفراج المؤقت يجب أن يُستغل كفرصة للتأكيد على أهمية التخطيط بعيد المدى، والتمسك بثقافة المحافظة على الماء، إذا أراد المغرب الصمود في وجه موجات الجفاف المستقبلية.