تتواصل الاحتجاجات في مدينة لوس أنجلوس لليوم الخامس على التوالي، وسط توتر متزايد بين حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في الوقت الذي خرجت فيه التظاهرات في البداية على خلفية ممارسات عنيفة ضد المهاجرين، سرعان ما تحولت إلى صراع سياسي مفتوح بين السلطة الفيدرالية والولاية.
وعلى الرغم من أن معظم التظاهرات سارت بشكل سلمي، إلا أن الأمور أخذت منحى أكثر توتراً بعد قرار البيت الأبيض إرسال آلاف الجنود إلى لوس أنجلوس، ما أثار مخاوف كبيرة بشأن عسكرة المدينة وكبح حرية التعبير والاحتجاج المدني.
انتشار عسكري يثير الجدل
في البداية، أرسل ترامب 2,000 من قوات الحرس الوطني، قبل أن يعزز العدد بـ2,000 آخرين، بالإضافة إلى 700 من مشاة البحرية (المارينز)، متجاوزاً بذلك سلطة الولاية. هذا القرار أثار استياء المسؤولين في كاليفورنيا، الذين وصفوه بمحاولة فاضحة لقمع الحراك الشعبي وتجاهل للإجراءات القانونية التي تنظم نشر القوات الفيدرالية داخلياً.
وقال الحاكم غافين نيوسوم في تصريحات شديدة اللهجة: “ترامب يحاول إشعال الفوضى بإرسال 4,000 جندي إلى شوارعنا. هذا السيناريو يذكرنا بما عاشته دول الجنوب العالمي تحت غطاء الديمقراطية الأمريكية.”
وأضاف: “قوات المارينز الأمريكية وجدت للدفاع عن الديمقراطية، لا لتُستخدم كورقة سياسية في استعراض انتخابي. وزير الدفاع ينفذ انتشارًا غير قانوني لخدمة رغبات ترامب قبل عرضه العسكري في واشنطن، والمقرر يوم 14 يونيو، والذي يصادف عيد ميلاده الـ79. يبدو أن الأمر برمته يُدار وفق أهوائه الشخصية.”
وبالفعل، رفعت ولاية كاليفورنيا دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، معتبرةً أن نشر القوات دون موافقة الحاكم يشكّل خرقًا للدستور، ويعدّ سابقة خطيرة في تاريخ التدخل العسكري الفيدرالي داخل حدود الولاية.
تهديدات وتصريحات مثيرة
في خطوة استفزازية، قال ترامب للصحفيين أمام البيت الأبيض: “لو كنت مكان مدير الهجرة والجمارك، لكنت قد اعتقلت نيوسوم.” وأضاف دون تردد: “أعتقد أن هذا سيكون رائعاً.” في إشارة إلى دعمه العلني لفكرة اعتقال الحاكم الديمقراطي.
نيوسوم رد عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا) قائلاً: “هذا يوم لم أكن أظن أنني سأشهده في أمريكا. لا يهم إن كنت ديمقراطيًا أو جمهوريًا، هناك خطوط لا يجب أن نتجاوزها كأمة. ما يحدث الآن هو انزلاق واضح نحو الاستبداد.”
وفي مقابلة له عبر بودكاست “Pod Save America”، صرح نيوسوم بأنه أصبح يفكر بجدية في احتمال اعتقاله، قائلاً: “مجرد أن يكون هذا احتمالاً حقيقياً، يخبركم بكل ما تحتاجون معرفته عن من هو في البيت الأبيض حالياً.”
عمدة لوس أنجلوس تدين التصعيد الفيدرالي
من جانبها، أعربت عمدة لوس أنجلوس، كارين باس، عن قلقها من التصعيد الأخير، مشيرةً خلال حديثها لشبكة CNN إلى أن السبب الأساسي وراء الاحتجاجات هو المداهمات العنيفة التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك (ICE)، مؤكدةً أن الأمور كان يمكن تفاديها لو لم تتدخل الحكومة الفيدرالية بهذا الشكل.
وأشارت باس إلى أن الغالبية العظمى من المحتجين كانوا سلميين، وأن الفوضى لم تبدأ إلا بعد قرار ترامب الفيدرالي بنشر قوات الحرس الوطني. كما شددت على أن مسؤولية طلب القوات كانت يجب أن تبقى في يد الولاية، وليس الحكومة المركزية.
واختتمت حديثها بقولها: “قيل لنا إن الهدف هو ملاحقة المجرمين الخطرين، لكن المداهمات وقعت في متجر ‘هوم ديبوت’ حيث يعمل الناس بجد لكسب لقمة عيشهم. هذا ليس مخبأً للمخدرات.”
إنكار فيدرالي وشيطنة المحتجين
ورغم الاحتجاجات الواسعة والانتقادات المتصاعدة، رفض ترامب الاعتراف بأي خطأ من جانب السلطات الفيدرالية. بل على العكس، وصف المحتجين بأنهم “مشاغبون محترفون” و”مثيرو شغب يستحقون السجن”، متجاهلاً تماماً الأسباب الجذرية وراء الغضب الشعبي، من قمع الشرطة إلى عسكرة الشوارع وتجاهل حقوق المهاجرين.
وبهذا، تدخل لوس أنجلوس فصلاً جديداً من المواجهة بين الدولة الفيدرالية وحكومة الولاية، وسط مخاوف من أن تتحول الأزمة إلى اختبار فعلي لقدرة المؤسسات الديمقراطية الأمريكية على الصمود في وجه الاستبداد السياسي.