أشاد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، بالدور المتنامي للمملكة المغربية في القارة، معتبرًا أن المغرب أصبح “قطبًا إفريقيًا حقيقيًا” بفضل دبلوماسيته الاقتصادية النشطة واستثماراته الواسعة في القطاعات الحيوية.
جاء ذلك في كلمة أُلقيت نيابة عنه مساء الأربعاء في أديس أبابا، خلال حفل نظمته سفارة المغرب في إثيوبيا وممثليتها الدائمة لدى الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، احتفاءً بالذكرى الـ26 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش.
وأكد يوسف أن المغرب تميّز بتطوير دبلوماسية اقتصادية فعالة مكّنته من ترسيخ حضوره القاري، لا سيما من خلال الاستثمار في البنية التحتية، الاتصالات، الزراعة، المالية والطاقة، مما جعله فاعلًا محوريًا في مستقبل القارة.
قيادة ملكية حكيمة… ونموذج تنموي واعد
نوّه المسؤول الإفريقي بالحضور المغربي المتنامي في مختلف دول الاتحاد الإفريقي، مؤكدًا أن الدينامية الاقتصادية التي تقودها المملكة تبشر بمستقبل مشرق ليس فقط للمغرب، بل للقارة الإفريقية بأكملها.
وأضاف أن القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس ساهمت في تعزيز النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي للمغرب، ما جعله وجهة مفضّلة للمستثمرين والسياح على حد سواء.
يوسف: أولوياتي الحوكمة والتمويل الذاتي
تجدر الإشارة إلى أن محمود علي يوسف، الذي شغل منصب وزير خارجية جيبوتي منذ 2005، انتُخب رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي في فبراير الماضي، متفوقًا على رئيس وزراء كينيا الأسبق رايلا أودينغا ووزير خارجية مدغشقر السابق ريتشارد راندرياماندرا تو.
وكان يوسف قد زار الرباط في ديسمبر 2024 حيث التقى بوزير الخارجية ناصر بوريطة، ونقل رسالة من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله إلى الملك محمد السادس. وصرح حينها بأن أولوياته على رأس المفوضية ستكون تحسين الحوكمة المالية وتعزيز التمويل الداخلي.
بدوره، أكد بوريطة أن جيبوتي تمثل شريكًا موثوقًا وداعمًا للاستقرار في المنطقة، مشيدًا بالروابط الأخوية والاحترام المتبادل بين البلدين.
كما أشاد يوسف بالمساهمة المغربية الكبيرة في ميزانية الاتحاد الإفريقي والتي تبلغ 35 مليون دولار سنويًا، معتبرًا أنها تعكس التزامًا راسخًا بتعزيز التضامن القاري.
وفي برقية تهنئة بمناسبة انتخابه، عبّر الملك محمد السادس عن ثقته في قدرة يوسف على قيادة مفوضية الاتحاد نحو تعزيز التنمية والسلام في إفريقيا، مؤكدًا دعم المغرب الكامل لمبادراته المستقبلية.
المغرب يكرّس رؤيته الإفريقية الوحدوية
عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017 بعد غياب دام 33 عامًا، إثر انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984 بسبب قضية الصحراء. وقد حظيت عودته بدعم 39 دولة من أصل 54 عضوًا.
منذ تلك اللحظة، كثّف المغرب استثماراته في القارة، ليصبح من بين أكبر المستثمرين الأفارقة. وقد وقّع ما يقارب 1,000 اتفاقية تعاون مع دول القارة بين عامي 2000 و2024، تشمل قطاعات مثل البنية التحتية، الاتصالات، الزراعة، التمويل والطاقة.
بلغت الاستثمارات المغربية المباشرة في إفريقيا 1.9 مليار دولار عام 2023، بزيادة قدرها 7% مقارنة بعام 2022. وتُعد مجموعة التجاري وفا بنك من أبرز الفاعلين الاقتصاديين المغاربة في القارة، حيث تنشط في 15 دولة إفريقية، وتوفر التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
كما رسّخت شركة اتصالات المغرب موقعها الريادي في القارة، بخدمات تغطي أكثر من 70 مليون مشترك. وساهم المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) في دعم الأمن الغذائي الإفريقي من خلال توفير أسمدة مصممة خصيصًا لتناسب احتياجات التربة والمزارعين المحليين.
مشروعات استراتيجية تعزز التكامل القاري
أحد أبرز المشاريع المغربية في إفريقيا هو مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري، الذي أُطلق في 2016 ويهدف إلى تعزيز الربط الطاقي بين غرب إفريقيا وشمالها، ما يمهّد لفرص اقتصادية وصناعية ضخمة في الدول المعنية.
كما أطلقت الرباط في نوفمبر 2023 مبادرة الأطلسي، التي تهدف إلى توفير منفذ مباشر لدول الساحل غير الساحلية نحو المحيط الأطلسي، ما سيشكل طفرة في مسارات التجارة والاستثمار بالقارة.
دور محوري في السلام والدين والدبلوماسية
على المستوى السياسي، شارك المغرب بفعالية في بعثات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام، حيث أرسل أكثر من 1,500 جندي وعامل دعم إلى عمليات في جمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية.
وفي المجال الديني، برزت مؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، التي استقبلت منذ 2015 أكثر من 2,500 طالب من 21 دولة إفريقية، لتكوينهم على مبادئ الإسلام الوسطي المعتدل، في مواجهة التيارات المتطرفة.
دبلوماسية متزنة ومواقف ثابتة
عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي شكّلت أيضًا تحوّلًا دبلوماسيًا مهمًا، سمح للمملكة بالعمل من داخل المنظمة لمواجهة نفوذ ما تُسمى “الجمهورية الصحراوية” (SADR) وتقليص تأثيرها في المؤسسات القارية.
كما عزز المغرب علاقاته مع جيبوتي بافتتاح قنصلية عامة في مدينة الداخلة يوم 25 فبراير 2020، تأكيدًا على دعم جيبوتي الثابت للوحدة الترابية للمملكة.